الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***
وَتَأْتِي الْأُولَى مِنْهُمَا هَمْزَةً زَائِدَةً لِلِاسْتِفْهَامِ وَلِغَيْرِهِ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا مُتَحَرِّكَةً، وَلَا تَكُونُ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ إِلَّا مَفْتُوحَةً، وَتَأْتِي الثَّانِيَةُ مِنْهَا مُتَحَرِّكَةً وَسَاكِنَةً، فَالْمُتَحَرِّكَةُ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَهَمْزَةُ وَصْلٍ.
فَأَمَّا هَمْزَةُ الْقَطْعِ الْمُتَحَرِّكَةُ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَتَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَفْتُوحَةً، وَمَكْسُورَةً، وَمَضْمُومَةً.
فَالْمَفْتُوحَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، ضَرْبٌ اتَّفَقُوا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَضَرْبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ يَأْتِي بَعْدَهُ سَاكِنٌ وَمُتَحَرِّكٌ. فَالسَّاكِنُ يَكُونُ صَحِيحًا وَحَرْفَ مَدٍّ. أَمَّا الَّذِي بَعْدَ سَاكِنٍ صَحِيحٍ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَشْرُ كَلِمٍ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَيس وَ{أَأَنْتُمْ} فِي الْبَقَرَةِ وَالْفُرْقَانِ، وَأَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ فِي الْوَاقِعَةِ، وَمَوْضِعٌ فِي النَّازِعَاتِ وَ{أَأَسْلَمْتُمْ} فِي آلِ عِمْرَانَ وَ{أَأَقْرَرْتُمْ} فِيهَا أَيْضًا، وَ{أَأَنْتَ} فِي الْمَائِدَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَ{أَأَرْبَابٌ} فِي يُوسُفَ، وَ{أَأَسْجُدُ} فِي الْإِسْرَاءِ، وَ{أَأَشْكُرُ} فِي النَّمْلِ، وَ{أَأَتَّخِذُ} فِي يس، وَ{أَأَشْفَقْتُمْ} فِي الْمُجَادَلَةِ. فَاخْتَلَفُوا فِي تَخْفِيفِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَتَحْقِيقِهَا، وَإِدْخَالِ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا. فَسَهَّلَهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالُونُ، وَرُوَيْسٌ، وَالْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ وَرْشٍ، وَاخْتُلِفَ عَنِ الْأَزْرَقِ عَنْهُ، وَعَنْ هِشَامٍ. أَمَّا الْأَزْرَقُ فَأَبْدَلَهَا عَنْهُ أَلِفًا خَالِصَةً صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، وَابْنُ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ الْفَحَّامِ وَابْنُ الْبَاذِشِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الدَّانِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ، وَسَهَّلَهَا عَنْهُ بَيْنَ بَيْنَ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ وَشَيْخُهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ابْنُ شُرَيْحٍ، وَالشَّاطِبِيُّ، وَالصَّفْرَاوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَعَلَى قَوْلِ رُوَاةِ الْبَدَلِ يُمَدُّ مُشْبَعًا؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا هِشَامٌ فَرَوَى عَنْهُ الْحُلْوَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ تَسْهِيلَهَا بَيْنَ بَيْنَ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالْعُنْوَانِ، وَالْمُجْتَبَى، وَالْقَاصِدِ، وَالْإِعْلَانِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَرَوْضَةِ الْمُعَدَّلِ، وَكِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ أَيْضًا عَنِ الْحُلْوَانِيِّ مِنْ غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْإِرْشَادِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ غَلْبُونَ، وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْمُبْهِجِ، وَغَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ وَالتَّجْرِيدِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَخْفَشِ، عَنْ هِشَامٍ. وَرَوَى الْحُلْوَانِيُّ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَمَّالِ تَحْقِيقَهَا، وَهُوَ الَّذِي فِي تَلْخِيصِ أَبِي مَعْشَرٍ، وَرَوْضَةِ أَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ، وَالتَّجْرِيدِ، وَسَبْعَةِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَكَذَلِكَ رَوَى الدَّاجُونِيُّ مِنْ مَشْهُورِ طُرُقِهِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ هِشَامٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ هِشَامٍ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ، وَهُمُ الْكُوفِيُّونَ، وَرَوْحٌ، وَابْنُ ذَكْوَانَ، إِلَّا أَنَّ الصُّورِيَّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ عَنْهُ سَهَّلَ الثَّانِيَةَ مِنْ {أَأَسْجُدُ} فِي الْإِسْرَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ الْمُبْهِجُ، وَانْفَرَدَ فِي التَّجْرِيدِ بِتَسْهِيلِهَا لِهِشَامٍ بِكَمَالِهِ، أَيْ: مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ وَالدَّاجُونِيِّ، وَبِتَحْقِيقِهَا لِابْنِ ذَكْوَانَ بِكَمَالِهِ، أَيْ: مِنْ طَرِيقِ الْأَخْفَشِ وَالصُّورِيِّ، فَخَالَفَ سَائِرَ الْمُؤَلِّفِينَ، وَوَافَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ، عَنْ هِشَامٍ، وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الدَّاجُونِيِّ، وَانْفَرَدَ هِبَةُ اللَّهِ الْمُفَسِّرُ عَنِ الدَّاجُونِيِّ بِتَسْهِيلِ {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ ابْنِ عَبْدَانَ بِتَحْقِيقِ الْبَابِ كُلِّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفَصَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ بِأَلِفٍ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالُونُ، وَاخْتُلِفَ، عَنْ هِشَامٍ، فَرَوَى عَنْهُ الْحُلْوَانِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ الْفَصْلَ كَذَلِكَ. وَرَوَى الدَّاجُونِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ فَصْلٍ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ مِمَّنْ حَقَّقَ الثَّانِيَةَ أَوْ سَهَّلَهَا، وَانْفَرَدَ هِبَةُ اللَّهِ الْمُفَسِّرُ، عَنِ الدَّاجُونِيِّ، عَنْ هِشَامٍ بِالْفَصْلِ كَرِوَايَةِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْهُ، وَانْفَرَدَ بِهِ الدَّاجُونِيُّ عَنْ هِشَامٍ فِي: {أَأَسْجُدُ}، وَكَذَلِكَ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ غَلْبُونَ، وَالْخُزَاعِيُّ عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، قَالَ ابْنُ الْبَاذِشِ: وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ. قُلْتُ: وَأَحْسَبُهُ وَهْمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَقِيَ حَرْفٌ وَاحِدٌ يُلْحَقُ بِهَذَا الْبَابِ فِي قِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهُوَ {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} فِي يس، يَقْرَؤُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّسْهِيلِ وَإِدْخَالِ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الَّذِي بَعْدَهُ مُتَحَرِّكٌ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ فَهُوَ حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا أَأَلِدُ فِي هُودٍ، وَالْآخَرُ أَأَمِنْتُمْ فِي الْمُلْكِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا، وَإِبْدَالِهَا، وَتَحْقِيقِهَا، وَإِدْخَالِ الْأَلِفِ بَيْنَهُمَا عَلَى أُصُولِهِمُ الْمُتَقَدِّمَةِ، إِلَّا أَنَّ رُوَاةَ الْإِبْدَالِ عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ لَمْ يَمُدُّوا عَلَى الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْمَدِّ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ السَّبَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ مُبَيَّنًا فِي بَابِ الْمَدِّ. وَخَالَفَ قُنْبُلٌ فِي حَرْفِ الْمُلْكِ أَصْلَهُ، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ الْأُولَى مِنْهَا وَاوًا؛ لِضَمِّ رَاءِ {النُّشُورُ} قَبْلَهَا، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ فَسَهَّلَهَا عَنْهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَلَى أَصْلِهِ، وَحَقَّقَهَا ابْنُ شَنَبُوذَ، هَذَا فِي حَالَةِ الْوَصْلِ، وَأَمَّا إِذَا ابْتَدَأَ، فَإِنَّهُ يُحَقِّقُ الْأُولَى وَيُسَهِّلُ الثَّانِيَةَ عَلَى أَصْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الَّذِي بَعْدَهُ حَرْفُ مَدٍّ فَمَوْضِعٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ {أَآلِهَتُنَا} فِي الزُّخْرُفِ، فَاخْتُلِفَ فِي تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهُ وَفِي تَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ، فَقَرَأَ بِتَحْقِيقِهَا الْكُوفِيُّونَ وَرَوْحٌ، وَسَهَّلَهَا الْبَاقُونَ، وَلَمْ يُدْخِلْ أَحَدٌ بَيْنَهَا أَلِفًا؛ لِئَلَّا يَصِيرَ اللَّفْظُ فِي تَقْدِيرِ أَرْبَعِ أَلِفَاتٍ: الْأُولَى هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالثَّانِيَةُ الْأَلِفُ الْفَاصِلَةُ، وَالثَّالِثَةُ هَمْزَةُ الْقَطْعِ، وَالرَّابِعَةُ الْمُبْدَلَةُ مِنَ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ، وَذَلِكَ إِفْرَاطٌ فِي التَّطْوِيلِ، وَخُرُوجٌ عَنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَكَذَلِكَ لَمْ يُبْدِ أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى إِبْدَالَ الثَّانِيَةِ فِي نَحْوِ {أَأَنْذَرْتَهُمْ} عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، بَلِ اتَّفَقَ أَصْحَابُ الْأَزْرَقِ قَاطِبَةً عَلَى تَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنِ الْتِبَاسِ الِاسْتِفْهَامِ بِالْخَبَرِ بِاجْتِمَاعِ الْأَلِفَيْنِ وَحَذْفِ إِحْدَاهُمَا. قَالَ ابْنُ الْبَاذِشِ فِي الْإِقْنَاعِ : وَمَنْ أَخَذَ لِوَرْشٍ فِي: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} بِالْبَدَلِ لَمْ يَأْخُذْ هُنَا إِلَّا بَيْنَ بَيْنَ. قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرِ الدَّانِيُّ وَأَبُو سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ الْفَحَّامِ وَغَيْرُهُمْ فِيهَا سِوَى بَيْنَ بَيْنَ، وَذَكَرَ الدَّانِيُّ فِي غَيْرِ التَّيْسِيرِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الْأُذْفَوِيَّ ذَكَرَ الْبَدَلَ فِيهَا وَفِيمَا كَانَ مِثْلَهَا عَنْ وَرْشٍ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَلَى أَصْلِهِ فِي نَحْوِ أَأَنْذَرْتَهُمْ، وَشِبْهِهِ. قَالَ الْأُذْفَوِيُّ: لَمْ يَمُدَّهَا هُنَا لِاجْتِمَاعِ الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ هَمْزَةِ الْقَطْعِ مَعَ الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ؛ لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ. قَالَ: وَيُشْبِعُ الْمَدَّ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ أَنَّ مَخْرَجَهَا مَخْرَجُ الِاسْتِفْهَامِ دُونَ الْخَبَرِ. قُلْتُ: وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ وَخَالَفَ فِيهِ سَائِرَ النَّاسِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ قِيَاسًا وَرِوَايَةً وَمُصَادِمٌ لِمَذْهَبِ وَرْشٍ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَدُّ مِنْ أَجْلِ الِاسْتِفْهَامِ فَلِمَ نَرَاهُ يُجِيزُ الْمَدَّ فِي نَحْوِ {آمَنَ الرَّسُولُ} وَيُخْرِجُهُ بِذَلِكَ عَنِ الْخَبَرِ إِلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَ شُرَّاحِ الشَّاطِبِيَّةِ يُجِيزُ ذَلِكَ، وَيُجِيزُ فِيهِ أَيْضًا الثَّلَاثَةَ الْأَوْجَهِ الَّتِي فِي نَحْوِ {أَإِفْكًا آلِهَةً} فَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي {أَأَمِنْتُمْ} فِي الثَّلَاثَةِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ يَأْتِي بَعْدَ هَمْزَةِ الْقَطْعِ فِيهِ سَاكِنٌ صَحِيحٌ وَحَرْفُ مَدٍّ، وَلَمْ يَقَعْ بَعْدَهُ مُتَحَرِّكٌ، فَالَّذِي بَعْدَهُ سَاكِنٌ صَحِيحٌ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ: أَوَّلُهَا {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ} فِي آلِ عِمْرَانَ، فَكُلُّهُمْ قَرَأَهُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ إِلَّا ابْنَ كَثِيرٍ، فَإِنَّهُ قَرَأَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَهُوَ فِي تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِأَلِفٍ.
ثَانِيهَا {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} فِي فُصِّلَتْ، رَوَاهُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ قُنْبُلٌ وَهِشَامٌ وَرُوَيْسٌ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُمْ. أَمَّا قُنْبُلٌ فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْخَبَرِ ابْنُ مُجَاهِدٍ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ طَلْحَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّاهِدُ، وَالشَّذَائِيُّ وَالْمُطَّوِّعِيُّ وَالشَّنَبُوذِيُّ وَابْنُ أَبِي بِلَالٍ وَبَكَّارٌ مِنْ طَرِيقِ النَّهْرَوَانِيِّ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ قُنْبُلٍ، وَرَوَاهُ عَنْهُ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ ابْنُ شَنَبُوذَ وَالسَّامَرِّيُّ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا هِشَامٌ فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْخَبَرِ الْحُلْوَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ، وَهُوَ طَرِيقُ صَاحِبِ التَّجْرِيدِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَمَّالِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ عَنِ الدَّاجُونِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالِاسْتِفْهَامِ الْجَمَّالُ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّجْرِيدِ، وَكَذَلِكَ الدَّاجُونِيُّ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الْمُبْهِجِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا رُوَيْسٌ فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْخَبَرِ أَبُو بَكْرٍ التَّمَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ الْبَغْدَادِيِّ، وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالِاسْتِفْهَامِ مِنْ طَرِيقِ النَّخَّاسِ، وَابْنِ مِقْسَمٍ، وَالْجَوْهَرِيِّ، وَكَذَلِكَ الْبَاقُونَ، وَحَقَّقَ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ مِنْهَا حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَرَوْحٌ، وَانْفَرَدَ هِبَةُ اللَّهِ الْمُفَسِّرُ بِذَلِكَ عَنِ الدَّاجُونِيِّ. وَالْبَاقُونَ مِمَّنْ قَرَأَ بِالِاسْتِفْهَامِ بِالتَّسْهِيلِ وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْبَدَلِ، وَبَيْنَ بَيْنَ، وَإِدْخَالِ الْأَلِفِ وَعَدَمِهِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ ذَكْوَانَ نَصَّ لَهُ جُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى إِدْخَالِ الْأَلِفِ فِيهَا بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي {أَنْ كَانَ}.
ثَالِثُهَا {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ، قَرَأَهُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ نَافِعٌ،، وَأَبُو عَمْرٍو، وَالْكُوفِيُّونَ، وَالْبَاقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ، وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ مِنَ التَّسْهِيلِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْفَصْلِ وَعَدَمِهِ، إِلَّا أَنَّ الدَّاجُونِيَّ عَنْ هِشَامٍ مِنْ طَرِيقِ النَّهْرَوَانِيِّ يُسَهِّلُ الثَّانِيَةَ وَلَا يَفْصِلُ، وَالْمُفَسِّرُ يُحَقِّقُ وَيَفْصِلُ، وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ فِي غَايَتِهِ أَنَّ الصُّورِيَّ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ يُخَيِّرُ بَيْنَ تَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ مَعًا بِلَا فَصْلٍ وَبَيْنَ تَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَلْيِينِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْفَصْلِ.
رَابِعُهَا {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ} فِي سُورَةِ ن. فَقَرَأَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ، وَحَفْصٌ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَهُمُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْهُمْ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ، وَرَوْحٌ، وَانْفَرَدَ بِذَلِكَ الْمُفَسِّرُ عَنِ الدَّاجُونِيِّ عَلَى أَصْلِهِ فِي ذَلِكَ وَفِي الْفَصْلِ، وَحَقَّقَ الْأُولَى وَسَهَّلَ الثَّانِيَةَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحُلْوَانِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي حَرْفِ فُصِّلَتْ، فَنَصَّ لَهُ عَلَى الْفَصْلِ فِيهِمَا أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ، وَابْنُ شُرَيْحٍ وَابْنُ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ بْنُ غَلْبُونَ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ عَنِ ابْنِ الْأَخْرَمِ وَالصُّورِيِّ، وَرَدَّ ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فَقَالَ فِي التَّيْسِيرِ : لَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَقِيمٍ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، وَلَا صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ ذَكْوَانَ لَمَّا لَمْ يَفْصِلْ بِهَذِهِ الْأَلِفِ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ فِي حَالِ تَحْقِيقِهِمَا مَعَ ثِقَلِ اجْتِمَاعِهِمَا عُلِمَ أَنَّ فَصْلَهُ بِهَا بَيْنَهُمَا فِي حَالِ تَسْهِيلِهِ إِحْدَاهُمَا مَعَ خِفَّةِ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي مَذْهَبِهِ، عَلَى أَنَّ الْأَخْفَشَ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ عَنْهُ بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَاتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ. قَالَ: وَهَذَا مِنَ الْأَشْيَاءِ اللَّطِيفَةِ الَّتِي لَا يُمَيِّزُهَا وَلَا يَعْرِفُ حَقَائِقَهَا إِلَّا الْمُطَّلِعُونَ بِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ، الْمُخْتَصُّونَ بِالْفَهْمِ الْفَائِقِ وَالدِّرَايَةِ الْكَامِلَةِ. انْتَهَى. وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي جَامِعِهِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبَاذِشِ فِي الْإِقْنَاعِ : فَأَمَّا ابْنُ ذَكْوَانَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي الْأَخْذِ لَهُ، فَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ- يَعْنِي الدَّانِيَّ- يَأْخُذُ لَهُ بِغَيْرِ فَصْلٍ كَابْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رَوَى لَنَا أَبُو الْقَاسِمِ- رَحِمَهُ اللَّهُ- عَنِ الْمِلَنْجِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ. وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْسُ- يَعْنِي ابْنَ عِيسُونَ الْأَنْدَلُسِيَّ صَاحِبَ ابْنِ أَشْتَةَ- قَالَ: وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عُلَمَاءُ بِتَأْوِيلِ نُصُوصِ مَنْ تَقَدَّمَ، حُفَّاظٌ. وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَأْخُذُ لَهُ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ، وَعَلَى ذَلِكَ أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ الَّذِي تُعْطِيهِ نُصُوصُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَالنَّقَّاشِ، وَابْنِ شَنَبُوذَ، وَابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَبِي الطَّيِّبِ التَّائِبِ وَأَبِي طَاهِرِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ وَابْنِ أَشْتَةَ وَالشَّذَائِيِّ وَأَبِي الْفَضْلِ الْخُزَاعِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيِّ، وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ مُتَقَدِّمٍ وَمُتَأَخِّرٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ بِهَمْزَةٍ وَمَدَّةٍ. قُلْتُ: وَلَيْسَ نَصُّ مَنْ يَقُولُ بِهَمْزِهِ وَمَدِّهِ يُعْطِي الْفَصْلَ أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَظَرَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخَّرِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا بَيْنَ بَيْنَ لَيْسَ إِلَّا، فَقَوْلُ الدَّانِيِّ أَقْرَبُ إِلَى النَّصِّ وَأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ. نَعَمْ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَبِيبٍ صَاحِبِ الْأَخْفَشِ أَقْرَبُ إِلَى قَوْلِ مَكِّيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ يَحْيَى أَنَّهُ قَرَأَ {أَأَعْجَمِيٌّ} بِمَدَّةٍ مُطَوَّلَةٍ كَمَا قَالَ: ذُو الرُّمَّةِ: أَأَنْ تَوَهَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ مَنْزِلَةً *** قَالَ: فَقَالَ: {أَإِنْ} بِهَمْزَةٍ طَوِيلَةٍ. انْتَهَى. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ مَكِّيٌّ وَلَا يَمْنَعُ مَا قَالَهُ الدَّانِيُّ، لِأَنَّ الْوَزْنَ يَقُومُ بِهِمَا، وَكُلُّهُمْ يَنْشُدُهُ بِالتَّسْهِيلِ وَيَسْتَدِلُّ لَهُ بِهِ، وَالْوَزْنُ لَا يَقُومُ بِالْبَدَلِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى تَرْكِ الْفَصْلِ لِابْنِ ذَكْوَانَ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْتُ مِمَّنْ هُوَ أَعْرَفُ بِدَلَائِلِ النُّصُوصِ كَابْنِ شَيْطَا، وَابْنِ سَوَّارٍ وَأَبِي الْعِزِّ وَأَبِي عَلِيٍّ الْمَالِكِيِّ وَابْنِ الْفَحَّامِ، وَالصَّقَلِّيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ قَرَأْتُ لَهُ بِكُلٍّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الَّذِي بَعْدَهُ حَرْفُ مَدٍّ وَاخْتُلِفَ فِيهِ اسْتِفْهَامًا وَخَبَرًا فَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَهِيَ {أَآمَنْتُمْ} فِي الْأَعْرَافِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ فِرْعَوْنُ أَآمَنْتُمْ بِهِ} وَفِي طه وَالشُّعَرَاءِ {قَالَ أَآمَنْتُمْ لَهُ} فَقَرَأَ الثَّلَاثَةُ بِالْإِخْبَارِ: حَفْصٌ وَرُوَيْسٌ وَالْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ وَرْشٍ: وَانْفَرَدَ بِذَلِكَ الْخُزَاعِيُّ، عَنِ الشَّذَائِيِّ، عَنِ النَّخَّاسِ، عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، فَخَالَفَ سَائِرُ الرُّوَاةِ وَالطُّرُقِ عَنِ الْأَزْرَقِ، وَاخْتُلِفَ، عَنْ قُنْبُلٍ فِي حَرْفِ طه، فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْإِخْبَارِ ابْنُ مُجَاهِدٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ شَنَبُوذَ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ الثَّلَاثَةُ. وَحَقَّقَ فِي الثَّانِيَةِ الثَّلَاثَةُ مِنْهُمْ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَرَوْحٌ، وَاخْتُلِفَ، عَنْ هِشَامٍ، فَرَوَاهَا عَنْهُ الدَّاجُونِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّذَائِيِّ، وَرَوَاهَا عَنْهُ الْحُلْوَانِيُّ وَالدَّاجُونِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدٍ بَيْنَ بَيْنَ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ وَهُمْ: أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونُ وَوَرْشٌ، مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، وَالْبَزِّيِّ وَابْنِ ذَكْوَانَ، وَأَمَّا قُنْبُلٌ فَإِنَّهُ وَافَقَهُمْ عَلَى التَّسْهِيلِ فِي الشُّعَرَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي طه مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَنَبُوذَ، وَأَبْدَلَ بِكَلَامِهِ الْهَمْزَةَ الْأُولَى مِنَ الْأَعْرَافِ بَعْدَ ضَمِّهِ نُونَ فِرْعَوْنَ وَاوًا خَالِصَةً حَالَةَ الْوَصْلِ، كَمَا فَعَلَ فِي {النُّشُورُ} وَ{أَأَمِنْتُمْ} وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ، فَسَهَّلَهَا عَنْهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ، وَحَقَّقَهَا مَفْتُوحَةً ابْنُ شَنَبُوذَ، فَإِذَا ابْتَدَأَ حَقَّقَ الْهَمْزَةَ الْأُولَى وَسَهَّلَ الثَّانِيَةَ بَيْنَ بَيْنَ، مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَلَمْ يُدْخِلْ أَحَدٌ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ فِي وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَلِفًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي {أَآلِهَتُنَا}، وَكَذَلِكَ لَمْ يُبْدِلِ الثَّانِيَةَ أَلِفًا عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي {أَآلِهَتُنَا} إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي التَّيْسِيرِ لِوَرْشٍ سِوَى التَّسْهِيلِ، وَأَجْرَاهُ مَجْرَى قَالُونَ وَأَبِي عَمْرٍو، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُسَهِّلِينَ، وَأَمَّا مَا حَكَاهُ فِي الْإِيجَازِ وَغَيْرِهِ مِنْ إِبْدَالِ الثَّانِيَةِ لِوَرْشٍ فَهُوَ وَجْهٌ قَالَ بِهِ بَعْضُ مَنْ أَبْدَلَهَا فِي {أَأَنْذَرْتَهُمْ} وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِمَا بَيَّنَاهُ فِي {أَآلِهَتُنَا} فِيمَا تَقَدَّمَ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِهِمْ، حَيْثُ رَأَى بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ وَرْشٍ يَقْرَءُونَهَا بِالْخَبَرِ، وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، ثُمَّ حُذِفَتْ إِحْدَى الْأَلِفَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ رِوَايَةُ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ وَرْشٍ، وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى وَأَبِي الْأَزْهَرِ، كُلُّهُمْ عَنْ وَرْشٍ يَقْرَءُونَهَا بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ كَحَفْصٍ، فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ يَرْوِي الْمَدَّ لِمَا بَعْدَ الْهَمْزِ يَمُدُّ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مِثْلَ {آمَنُوا وَعَمِلُوا} لَا أَنَّهُ بِالِاسْتِفْهَامِ وَأَبْدَلَ وَحَذَفَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ هَمْزَةِ الْقَطْعِ وَأَحْكَامِهَا مَفْتُوحَةً مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا.
وَأَمَّا الْهَمْزَةُ الْمَكْسُورَةُ فَتَأْتِي أَيْضًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بِالِاسْتِفْهَامِ وَمُخْتَلَفًا فِيهِ، فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ سَبْعُ كَلِمٍ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ {أَيِنَّكُمْ} فِي الْأَنْعَامِ وَالنَّمْلِ وَفُصِّلَتْ وَ{أَيِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} فِي الشُّعَرَاءِ وَ{أَإِلَهٌ} فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: النَّمْلُ وَأَيِنَّا لَتَارِكُوا، وَأَيِنَّكَ لَمِنَ، وَأَيِفْكًا ثَلَاثَتُهَا فِي الصَّافَّاتِ وَأَيِذَا مِتْنَا فِي ق. وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَتَحْقِيقِهَا وَإِدْخَالِ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا، فَسَهَّلَهَا بَيْنَ بَيْنَ- أَيْ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ- نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَرُوَيْسٌ، وَحَقَّقَهَا الْكُوفِيُّونَ، وَابْنُ عَامِرٍ وَرَوْحٌ، وَاخْتُلِفَ عَنْ رُوَيْسٍ فِي حَرْفِ الْأَنْعَامِ، وَعَنْ هِشَامٍ فِي حَرْفِ فُصِّلَتْ، أَمَّا حَرْفُ الْأَنْعَامِ وَهُوَ أَيِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونِ فَرَوَى أَبُو الطَّيِّبِ، عَنْ رُوَيْسٍ تَحْقِيقَهُ خِلَافًا لِأَصْلِهِ، وَنَصَّ أَبُو الْعَلَاءِ فِي غَايَتِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ فِيهِ لَهُ بَيْنَ التَّسْهِيلِ وَالتَّحْقِيقِ: وَأَمَّا حَرْفُ فُصِّلَتْ وَهُوَ أَيِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ فَجُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ عَنْ هِشَامٍ عَلَى التَّسْهِيلِ خِلَافًا لِأَصْلِهِ، وَمِمَّنْ نَصَّ لَهُ عَلَى التَّسْهِيلِ وَجْهًا وَاحِدًا صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَابْنَا غَلْبُونَ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ، وَصَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَكُلُّ مَنْ رَوَى تَسْهِيلَهُ فَصَلَ بِأَلِفٍ قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا عَلَى أَصْلِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ فِيهِ تَسْهِيلًا ابْنُ شَيْطَا وَابْنُ سَوَّارٍ وَابْنُ فَارِسٍ وَأَبُو الْعِزِّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ، وَابْنُ الْفَحَّامِ وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَنَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ خَاصَّةً أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَالصَّفْرَاوِيُّ، وَمِنْ قَبْلِهِمَا الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ. وَفَصَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ بِأَلِفٍ فِي جَمِيعِ الْبَابِ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونُ، وَاخْتُلِفَ عَنْ هِشَامٍ، فَرَوَى عَنْهُ الْفَصْلَ فِي الْجَمِيعِ الْحُلْوَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ، مِنْ طَرِيقِ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعِزِّ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَمَّالِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّجْرِيدِ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ كَابْنِ سَوَّارٍ وَابْنِ فَارِسٍ وَأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ، وَابْنِ شَيْطَا وَغَيْرِهِمْ. وَهِيَ طَرِيقُ الشَّذَائِيِّ عَنِ الدَّاجُونِيِّ كَمَا هُوَ فِي الْمُبْهِجِ، وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الدَّانِيُّ عَنِ الدَّاجُونِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ وَالدَّاجُونِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّاطِبِيَّةِ. وَرَوَى عَنْهُ الْقَصْرَ- وَهُوَ تَرْكُ الْفَصْلِ فِي الْبَابِ كُلِّهِ- الدَّاجُونِيُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، كَصَاحِبِ الْمُسْتَنِيرِ، وَالتَّذْكَارِ، وَالْجَامِعِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالْكِفَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدٍ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُبْهِجِ مِنْ طَرِيقِ الْجَمَّالِ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَذَهَبَ آخَرُونَ عَنْ هِشَامٍ إِلَى التَّفْصِيلِ، فَفَصَلُوا بِالْأَلِفِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ وَتَرَكُوا الْفَصْلَ فِي الْآخَرِ، فَفَصَلُوا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَهِيَ أَيِنَّ لَنَا فِي الشُّعَرَاءِ وَأَيِنَّكَ، وَأَيِفْكًا فِي الصَّافَّاتِ وَأَيِنَّكُمْ فِي فُصِّلَتْ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْعُنْوَانِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَا فَصَلُوا فِيهِ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي. وَمِمَّا يَلْحَقُ بِهَذَا الْبَابِ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِفْهَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْعَنْكَبُوتِ: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الرِّجَالَ} وَفِي الْوَاقِعَةِ: {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} فِي يس. أَجْمَعُوا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ، قَرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ، فَيُلْحَقُ بِضَرْبِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْبَاقُونَ يَكْسِرُونَهَا، فَيُلْحَقُ عِنْدَهُمْ بِهَذَا الضَّرْبِ، وَهُمْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَحْرُفِ عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ تَحْقِيقًا وَتَسْهِيلًا وَفَصْلًا، إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ التَّفْصِيلِ عَنْ هِشَامٍ يَفْصِلُونَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ فِي حَرْفَيِ الْعَنْكَبُوتِ وَالْوَاقِعَةِ، وَلَا يَفْصِلُونَ فِي حَرْفِ يس، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ مُفْرَدٌ تَجِيءُ الْهَمْزَتَانِ فِيهِ وَلَيْسَ بَعْدَهَا مِثْلُهُمَا، وَقِسْمٌ مُكَرَّرٌ تَجِيءُ الْهَمْزَتَانِ وَبَعْدَهُمَا مِثْلُهُمَا. فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ: أَيِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الرِّجَالَ، أَيِنَّ لَنَا لَأَجْرًا وَكِلَاهُمَا فِي الْأَعْرَافِ أَيِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ فِي يُوسُفَ أَيِذَا مَا مِتُّ فِي مَرْيَمَ أَيِّنَا لَمُغْرَمُونَ فِي الْوَاقِعَةِ، أَمَّا إِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ فِي الْأَعْرَافِ، فَقَرَأَهُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَفْصٌ، وَالْبَاقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمُ الْمَذْكُورَةِ تَسْهِيلًا وَتَحْقِيقًا وَفَصْلًا، وَأَمَّا أَيِنَّ لَنَا لَأَجْرًا فَقَرَأَهُ عَلَى الْخَبَرِ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَفْصٌ، وَالْبَاقُونَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَهُمَا مِنَ الْمَوَاضِعِ السَّبْعَةِ اللَّاتِي يُفَصِّلُ فِيهَا عَنِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْ هِشَامٍ أَصْحَابُ التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا أَيِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ فَقَرَأَهُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَالْبَاقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَأَمَّا أَيِذَا مَا مِتُّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، فَرَوَاهُ عَنْهُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْخَبَرِ الصُّورِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ غَيْرَ الشَّذَائِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِهِ، وَابْنُ الْأَخْرَمِ عَنِ الْأَخْفَشِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ التَّبْصِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ غَلْبُونَ، وَجُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ وَأَبِي الْحَسَنِ طَاهِرٍ، وَرَوَاهُ عَنْهُ النَّقَّاشُ، عَنِ الْأَخْفَشِ عَنْهُ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، وَذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ مِنَ الْمَغَارِبَةِ، وَالْمِصْرِيِّينَ، وَالشَّامِيِّينَ، وَالْعِرَاقِيِّينَ، وَالشَّذَائِيُّ عَنِ الصُّورِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّجْرِيدِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْكَامِلِ، وَغَايَةِ ابْنِ مِهْرَانَ، وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا عَنْهُ فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَظَاهِرِ التَّيْسِيرِ، وَنَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَجَامِعِ الْبَيَانِ، وَبِالِاسْتِفْهَامِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ الْفَارِسِيِّ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ، وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ تَحْقِيقًا وَتَسْهِيلًا وَفَصْلًا. وَهَذَا الْحَرْفُ تَتِمَّةُ السَّبْعَةِ الَّتِي يُفَصِّلُ فِيهَا لِهِشَامٍ عَنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ أَصْحَابُ التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا أَيِنَّا لَمُغْرَمُونَ فَرَوَاهُ بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ أَبُو بَكْرٍ، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِهَمْزَةٍ عَلَى الْخَبَرِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُكَرَّرُ مِنَ الِاسْتِفْهَامَيْنِ نَحْوُ أَيِذَا، أَيِنَّا وَجُمْلَتُهُ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ تِسْعِ سُوَرٍ فِي الرَّعْدِ أَيِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وَفِي الْإِسْرَاءِ مَوْضِعَانِ أَيِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَيِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَفِي الْمُؤْمِنِينَ أَيِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَيِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَفِي النَّمْلِ أَيِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَيِنَّا لَمُخْرَجُونَ وَفِي الْعَنْكَبُوتِ أَيِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ أَيِنَّكُمْ لَتَأْتُونِ الرِّجَالَ وَفِي الم السَّجْدَةِ أَيِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَيِنَّا لَفِي وَفِي الصَّافَّاتِ مَوْضِعَانِ، الْأَوَّلُ أَيِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَيِنَّا لَمَدِينُونَ وَفِي الْوَاقِعَةِ أَيِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَيِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَفِي النَّازِعَاتِ أَيِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ أَيِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً فَتَصِيرُ بِحُكْمِ التَّكْرِيرِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ حَرْفًا. فَاخْتَلَفُوا فِي الْإِخْبَارِ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي، وَعَكْسِهِ، وَالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا، فَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِالْإِخْبَارِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي مِنْ مَوْضِعِ الرَّعْدِ، وَمَوْضِعَيِ الْإِسْرَاءِ، وَفِي الْمُؤْمِنُونَ، وَالسَّجْدَةِ، وَالثَّانِي مِنَ الصَّافَّاتِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ السِّتَّةِ بِالِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّلِ، وَالْإِخْبَارِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا، وَأَمَّا مَوْضِعُ النَّمْلِ، فَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِالْإِخْبَارِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِالِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِخْبَارِ فِي الثَّانِي مَعَ زِيَادَةِ نُونٍ فِيهِ، فَيَقُولَانِ أَيِنَّا لَمُخْرَجُونَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا، وَانْفَرَدَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي الْمُبْهِجِ عَنِ الْكَارَزِينِيِّ عَنِ النَّخَّاسِ، عَنْ رُوَيْسٍ بِالْإِخْبَارِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ، فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْ رُوَيْسٍ، وَأَمَّا مَوْضِعُ الْعَنْكَبُوتِ فَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ بِالْإِخْبَارِ فِي الْأَوَّلِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَهُمْ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَخَلَفٌ وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي، وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّافَّاتِ فَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِالْإِخْبَارِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ بِالِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِخْبَارِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا، وَأَمَّا مَوْضِعُ الْوَاقِعَةِ فَقَرَأَهُ أَيْضًا نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَيَعْقُوبُ بِالِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِخْبَارِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا، فَلَا خِلَافَ عَنْهُمْ فِي الِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا مَوْضِعُ النَّازِعَاتِ فَقَرَأَهُ أَبُو جَعْفَرٍ بِالْإِخْبَارِ فِي الْأَوَّلِ وَالِاسْتِفْهَامِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَالْكِسَائِيُّ، وَيَعْقُوبُ بِالِاسْتِفْهَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِخْبَارِ فِي الثَّانِي، وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا. وَكُلُّ مَنِ اسْتَفْهَمَ فِي حَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الِاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ، فَإِنَّهُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ التَّحْقِيقِ وَالتَّسْهِيلِ وَإِدْخَالِ الْأَلِفِ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الطُّرُقِ عَنْ هِشَامٍ عَلَى الْفَصْلِ بِالْأَلِفِ فِي هَذَا الْبَابِ أَعْنِي الِاسْتِفْهَامَيْنِ، وَبِذَلِكَ قَطَعَ لَهُ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَسَائِرُ الْمَغَارِبَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَارِقَةِ، كَابْنِ شَيْطَا وَابْنِ سَوَّارٍ وَأَبِي الْعِزِّ، وَالْهَمْدَانِيِّ، وَغَيْرُهُمْ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى إِجْرَاءِ الْخِلَافِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ فِي سَائِرِ هَذَا الضَّرْبِ، مِنْهُمُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ، وَالصَّفْرَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ قِيَاسًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْهَمْزَةُ الْمَضْمُومَةُ فَلَمْ تَأْتِ إِلَّا بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَأَتَتْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَوَاحِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَالْمَوَاضِعُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فِي آلِ عِمْرَانَ {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} وَفِي ص: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ}، وَفِي الْقَمَرِ {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ} فَسَهَّلَ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ فِيهَا نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَرُوَيْسٌ، وَحَقَّقَهَا الْبَاقُونَ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَلِفٍ أَبُو جَعْفَرٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَقَالُونَ وَهِشَامٍ، أَمَّا أَبُو عَمْرٍو فَرَوَى عَنْهُ الْفَصْلَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَقَوَّاهُ بِالْقِيَاسِ وَبِنُصُوصِ الرُّوَاةِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَأَبِي شُعَيْبٍ وَأَبِي حَمْدُونَ وَأَبِي خَلَّادٍ وَأَبِي الْفَتْحِ الْمَوْصِلِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ، وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ قَالُوا عَنِ الْيَزِيدِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: إِنَّهُ كَانَ يَهْمِزُ بِالِاسْتِفْهَامِ هَمْزَةً وَاحِدَةً مَمْدُودَةً، قَالُوا: وَلِذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ بِكُلِّ هَمْزَتَيْنِ الْتَقَتَا فَيُصَيِّرُهُمَا وَاحِدَةً، وَيَمُدُّ إِحْدَاهُمَا مِثْلَ: أَيِذَا، وَ{أَإِلَهٌ}، وَأَيِنَّكُمْ، وَ{أَنْتُمْ} وَشِبْهِهِ، وَقَالَ الدَّانِيُّ: فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَمُدَّ إِذَا دَخَلَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى هَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ إِذَا لَمْ يَسْتَثْنُوا ذَلِكَ، وَجَعَلُوا الْمَدَّ سَائِغًا فِي الِاسْتِفْهَامِ كُلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِجُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي التَّمْثِيلِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ جَارٍ، وَالْمَدُّ فِيهِ مُطَّرِدٌ. انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْفَصْلِ لِلدُّورِيِّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ فَرَحٍ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفْرَاوِيُّ، وَلِلسُّوسِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبَشٍ، ابْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْعِزِّ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْوَجْهَانِ لِلسُّوسِيِّ أَيْضًا فِي الْكَافِي وَالتَّبْصِرَةِ، وَقَطَعَ بِهِ لِلسُّوسِيِّ ابْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ، وَرَوَى الْقَصْرَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو جُمْهُورُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّيْسِيرِ غَيْرَهُ، وَذَكَرَ عَنْهُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ وَأَبُو الْكَرَمِ الشَّهْرَزُورِيُّ وَالصَّفْرَاوِيُّ أَيْضًا، وَأَمَّا قَالُونُ فَرَوَى عَنْهُ الْمَدَّ مِنْ طَرِيقَيْ أَبِي نَشِيطٍ، وَالْحُلْوَانِيِّ وَأَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ، وَعَنْ أَبِي نَشِيطٍ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ، وَقَطَعَ بِهِ لَهُ فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ بِلَطِيفِ الْإِشَارَاتِ، وَرَوَاهُ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ عَنْهُ صَاحِبُ التَّذْكِرَةِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْمَالِكِيُّ، وَابْنُ سَوَّارٍ وَالْقَلَانِسِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ وَأَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، وَالْهُذَلِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي الْمُبْهِجِ، وَأَمَّا فِي الْكِفَايَةِ فَقَطَعَ بِهِ لِلْحَلْوَانِيِّ فَقَطْ، وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ عَلَى الْفَصْلِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى الْفَارِسِيِّ وَالْمَالِكِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ الْقَصْرَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ فِي تَجْرِيدِهِ، مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ فَارِسٍ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ سِوَى الْقَصْرِ. وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ أَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ، وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي الْجَامِعِ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَكَذَا رَوَى عَنْ قَالُونَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّحَّامُ فِيمَا ذَكَرَهُ الدَّانِيُّ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ عَنْ قَالُونَ- يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ- وَأَمَّا هِشَامٌ فَالْخِلَافُ عَنْهُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا التَّحْقِيقُ مَعَ الْمَدِّ فِي الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيِ التَّيْسِيرِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ- يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ- عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَفِي كِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ أَيْضًا، وَكَذَا فِي كَامِلِ الْهُذَلِيِّ، وَفِي التَّجْرِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَمَّالِ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ سَوَّارٍ وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، لِلْحَلْوَانِيِّ، عَنْهُ.
ثَانِيهَا التَّحْقِيقُ مَعَ الْقَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيِ الْكَافِي، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّاجُونِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ هِشَامٍ، كَأَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ وَأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ، وَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَابْنِ الْفَحَّامِ صَاحِبِ التَّجْرِيدِ، وَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ وَأَبِي الْعَلَاءِ الْهَمَذَانِيِّ، وَسِبْطِ الْخَيَّاطِ، وَغَيْرِهِمْ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ.
ثَالِثُهَا التَّفْصِيلُ. فَفِي الْحَرْفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الَّذِي فِي آلِ عِمْرَانَ بِالْقَصْرِ وَالتَّحْقِيقِ، وَفِي الْحَرْفَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَهُمَا اللَّذَانِ فِي ص وَالْقَمَرِ بِالْمَدِّ وَالتَّسْهِيلِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي التَّيْسِيرِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ، وَبِهِ قَطَعَ فِي التَّذْكِرَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَالْعُنْوَانِ، وَجُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ. وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْكَافِي، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَانْفَرَدَ الدَّانِيُّ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ أَيْضًا بِوَجْهٍ رَابِعٍ، وَهُوَ تَسْهِيلُ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْمَدِّ فِي الثَّلَاثَةِ، وَانْفَرَدَ أَيْضًا الْكَارَزِينِيُّ عَنِ الشَّنَبُوذِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْجَمَّالِ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ أَيْضًا بِالْمَدِّ مَعَ التَّحْقِيقِ فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْقَمَرِ، وَبِالْقَصْرِ مَعَ التَّحْقِيقِ فِي ص، فَيَصِيرُ لَهُ الْخِلَافُ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَهُوَ أَأُشْهِدُوا خَلْقَهُمْ فِي الزُّخْرُفِ، فَقَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِهَمْزَتَيْنِ: الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مَضْمُومَةٌ، مَعَ إِسْكَانِ الشِّينِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي سُورَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَسَهَّلَا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ بَيْنَ بَيْنَ عَلَى أَصْلِهِمَا، وَفَصَلَ بَيْنِهِمَا بِأَلِفٍ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى أَصْلِهِ، وَاخْتُلِفَ، عَنْ قَالُونَ أَيْضًا، فَرَوَاهُ بِالْمَدِّ مِمَّنْ رَوَى الْمَدَّ فِي أَخَوَاتِهِ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَقَطَعَ بِهِ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي الْمُبْهِجِ لِأَبِي نَشِيطٍ، وَكَذَلِكَ الْهُذَلِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْعِزِّ وَابْنُ سَوَّارٍ لِلْحُلْوَانِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْحَمَّامِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ الْقَصْرَ كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ الْقَصْرَ فِي أَخَوَاتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَأَكْثَرُ الْمُؤَلِّفِينَ سِوَاهُ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ فِي الْمُبْهِجِ، وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْكِفَايَةِ، وَغَيْرِهَا، عَنْ أَبِي نَشِيطٍ، وَقَطَعَ بِهِ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي نَشِيطٍ فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَغَيْرِهَا. فَهَذِهِ ضُرُوبُ هَمْزَةِ الْقَطْعِ وَأَقْسَامُهَا وَأَحْكَامُهَا.
وَأَمَّا هَمْزَةُ الْوَصْلِ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَتَأْتِي عَلَى قِسْمَيْنِ: مَفْتُوحَةٌ وَمَكْسُورَةٌ.
فَالْمَفْتُوحَةُ أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ اتَّفَقُوا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَضَرْبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ {آلذَّكَرَيْنِ} فِي مَوْضِعَيِ الْأَنْعَامِ {آلْآنَ وَقَدْ} فِي مَوْضِعَيِ يُونُسَ {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} فِي يُونُسَ {آللَّهُ خَيْرٌ} فِي النَّمْلِ، فَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ حَذْفِهَا وَإِثْبَاتِهَا مَعَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ تَحْقِيقِهَا لِكَوْنِهَا هَمْزَةَ وَصْلٍ، وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا ابْتِدَاءً، وَأَجْمَعُوا عَلَى تَلْيِينِهَا. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: تُبْدَلُ أَلِفًا خَالِصَةً. وَجَعَلُوا الْإِبْدَالَ لَازِمًا لَهَا كَمَا يَلْزَمُ إِبْدَالُ الْهَمْزَةِ إِذَا وَجَبَ تَخْفِيفُهَا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ. قَالَ الدَّانِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ. وَهُوَ قِيَاسُ مَا رَوَاهُ الْمِصْرِيُّونَ أَدَاءً، عَنْ وَرْشٍ، عَنْ نَافِعٍ، يَعْنِي فِي نَحْوِ {أَأَنْذَرْتَهُمْ} وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْحَسَنِ، وَبِهِ قَرَأْنَا مِنْ طَرِيقِ التَّذْكِرَةِ، وَالْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالرَّوْضَةِ، وَالْمُسْتَنِيرِ وَالتَّذْكَارِ، وَالْإِرْشَادَيْنِ، وَالْغَايَتَيْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جُلَّةِ الْمَغَارِبَةِ وَالْمَشَارِقَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَقَالَ آخَرُونَ: تُسَهَّلُ بَيْنَ بَيْنَ؛ لِثُبُوتِهَا فِي حَالِ الْوَصْلِ وَتَعَذُّرِ حَذْفِهَا فِيهِ، فَهِيَ كَالْهَمْزَةِ اللَّازِمَةِ، وَلَيْسَ إِلَى تَخْفِيفِهَا سَبِيلٌ، فَوَجَبَ أَنْ تُسَهَّلَ بَيْنَ بَيْنَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْهَمَزَاتِ الْمُتَحَرِّكَاتُ بِالْفَتْحِ إِذَا وَلِيَتْهُنَّ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ. قَالَ الدَّانِيُّ فِي الْجَامِعِ : وَالْقَوْلَانِ جَيِّدَانِ. وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَوْجَهُ فِي تَسْهِيلِ هَذِهِ الْهَمْزَةِ، قَالَ: لِقِيَامِهَا فِي الشِّعْرِ مَقَامَ الْمُتَحَرِّكَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مُبْدَلَةً لَقَامَتْ فِيهِ مَقَامَ السَّاكِنِ الْمَحْضِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْكَسَرَ هَذَا الْبَيْتُ: أَأَلْحَقُّ أَنَّ دَارَ الرَّبَابِ تَبَاعَدَتْ *** أَوِ انْبَتَّ حَبْلٌ أَنَّ قَلْبَكَ طَائِرُ قُلْتُ: وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرٍ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَلَفٍ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ وَشَيْخِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الطَّرَسُوسِيِّ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِي التَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْإِعْلَانِ، وَأَجْمَعَ مَنْ أَجَازَ تَسْهِيلَهَا عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِدْخَالُ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا يَجُوزُ فِي هَمْزَةِ الْقَطْعِ؛ لِضَعْفِهَا عَنْ هَمْزَةِ الْقَطْعِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ حَرْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ بِهِ أَالسِّحْرُ فِي يُونُسَ، فَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ بِالِاسْتِفْهَامِ، فَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ مِنَ الْبَدَلِ وَالتَّسْهِيلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلِمِ الثَّلَاثِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الْفَصْلُ فِيهِ بِالْأَلِفِ كَمَا يَجُوزُ فِيهَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ عَلَى الْخَبَرِ، فَتَسْقُطُ وَصْلًا، وَتُحْذَفُ يَاءُ الصِّلَةِ فِي الْهَاءِ قَبْلَهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ.
وَأَمَّا هَمْزَةُ الْوَصْلِ الْمَكْسُورَةُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهَا تُحْذَفُ فِي الدَّرْجِ بَعْدَهَا مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الِالْتِبَاسِ، وَيُؤْتَى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَحْدَهَا نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ}، {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ}، {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} عَلَى اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِهَا يَأْتِي مُسْتَوْفًى فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْهَمْزَتَيْنِ؛ الْأُولَى مِنْهُمَا هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْأُولَى لِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ فَإِنَّ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا تَكُونُ مُتَحَرِّكَةً وَسَاكِنَةً، فَالْمُتَحَرِّكَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْكَسْرِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ {أَئِمَّةَ} فِي التَّوْبَةِ {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} وَفِي الْأَنْبِيَاءِ {أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} وَفِي الْقَصَصِ {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} وَفِيهَا {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} وَفِي السَّجْدَةِ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} فَحَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ جَمِيعًا فِي الْخَمْسَةِ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَرَوْحٌ. وَسَهَّلَ الثَّانِيَةَ فِيهَا الْبَاقُونَ، وَهُمْ: نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ، وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ، عَنْ رَوْحٍ بِتَسْهِيلِهَا مَعَ مَنْ سَهَّلَ، فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْهُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ تَسْهِيلِهَا، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ إِلَى أَنَّهَا تُجْعَلُ بَيْنَ بَيْنَ كَمَا هِيَ فِي سَائِرِ بَابِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ، وَبِهَذَا وَرَدَ النَّصُّ عَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ أَصْحَابِ وَرْشٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: {أَئِمَّةً} بِنَبْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَهَا إِشْمَامُ الْيَاءِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَصَّ طَاهِرُ بْنُ سَوَّارٍ، وَالْهُذَلِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ وَابْنُ الْفَحَّامِ الصَّقَلِّيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ سِبْطُ الْخَيَّاطِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ، وَابْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو الْعِزِّ فِي كِفَايَتِهِ، وَمَكِّيٌّ فِي تَبْصِرَتِهِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ صَاحِبِ التَّيْسِيرِ وَالتَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهِمَا بِيَاءٍ مُخْتَلَسَةِ الْكَسْرَةِ، وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مِهْرَانَ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مَمْدُودَةٍ. وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهَا تُجْعَلُ يَاءً خَالِصَةً، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ فِي كَافِيهِ، وَأَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ فِي إِرْشَادِهِ، وَسَائِرُ الْوَاسِطِيِّينَ، وَبِهِ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مُؤْمِنٍ فِي كَنْزِهِ: إِنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْمُحَقِّقِينَ يَجْعَلُونَهَا يَاءً خَالِصَةً، وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ، وَالدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَالشَّاطِبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مَذْهَبُ النُّحَاةِ. قُلْتُ: وَقَدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ أَيْضًا فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْيَاءِ أَيْضًا وَكَيْفِيَّةِ تَسْهِيلِهَا. فَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي بَابِ شَوَاذِّ الْهَمْزِ مِنْ كِتَابِ الْخَصَائِصِ لَهُ: وَمِنْ شَاذِّ الْهَمْزِ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ {أَئِمَّةً} بِالتَّحْقِيقِ فِيهَا، فَالْهَمْزَتَانِ لَا تَلْتَقِيَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَا عَيْنَيْنِ نَحْوُ سَالَ وَ{ سَارَ} وَ{جَارَ} فَأَمَّا الْتِقَاؤُهُمَا عَلَى التَّحْقِيقِ مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَضَعِيفٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ لَحْنًا، ثُمَّ قَالَ: لَكِنِ الْتِقَاؤُهُمَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرَ عَيْنَيْنِ لَحْنٌ، إِلَّا مَا شَذَّ مِمَّا حَكَيْنَاهُ فِي خَطَّاءٍ وَبَابِهِ. قُلْتُ: وَلَمَّا ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ التَّحْقِيقَ قَالَ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ التَّحْقِيقَ فِي {آدَمَ}، {وَآخَرَ} وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَكَذَا يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ {أَئِمَّةً}. قُلْتُ: يُشِيرُ إِلَى أَنَّ أَصْلَهَا أَأْيِمَةٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعِلَةٍ جَمْعُ إِمَامٍ، فَنَقَلَ حَرَكَةَ الْمِيمِ إِلَى الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا مِنْ أَجْلِ الْإِدْغَامِ؛ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، فَكَانَ الْأَصْلُ الْإِبْدَالَ مِنْ أَجْلِ السُّكُونِ؛ وَلِذَلِكَ نَصَّ أَكْثَرُ النُّحَاةِ عَلَى إِبْدَالِ الْيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْمُفَصَّلِ، قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَوَجْهُهُ النَّظَرُ إِلَى أَصْلِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ السُّكُونُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِبْدَالَ مُطْلَقًا. قَالَ: وَتَعَيَّنَتِ الْيَاءُ لِانْكِسَارِهَا الْآنَ، فَأُبْدِلَتْ يَاءً مَكْسُورَةً، وَمَنَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ تَسْهِيلَهَا بَيْنَ بَيْنَ، قَالُوا: لِأَنَّهَا تَكُونُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْهَمْزَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ جَاءٍ جَائِيٌّ فَقَلَبُوا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ يَاءً مَحْضَةً؛ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ إِنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ خَالَفَ النُّحَاةَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ تَسْهِيلَهَا بَيْنَ بَيْنَ عَمَلًا بِقَوْلِ مَنْ حَقَّقَهَا كَذَلِكَ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، فَقَالَ فِي الْكَشَّافِ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ عِنْدَ ذِكْرِ أَئِمَّةً : فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ لَفْظُ أَئِمَّةٍ؟ قُلْتُ: هَمْزَةٌ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ بَيْنَ بَيْنَ، أَيْ: بَيْنَ مَخْرَجِ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ، قَالَ: وَتَحْقِيقُ الْهَمْزَتَيْنِ قِرَاءَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، قَالَ: وَأَمَّا التَّصْرِيحُ بِالْيَاءِ فَلَيْسَ بِقِرَاءَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ، وَمَنْ صَرَّحَ بِهِ فَهُوَ لَاحِنٌ مُحَرِّفٌ. قُلْتُ: وَهَذَا مُبَالَغَةٌ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ كُلِّ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي التَّحْقِيقَ وَبَيْنَ بَيْنَ وَالْيَاءَ الْمَحْضَةَ عَنِ الْعَرَبِ، وَصِحَّتُهُ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ تَقَدَّمَ، وَلِكُلٍّ وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ سَائِغٌ قَبُولُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْخَالِ الْأَلِفِ فَصْلًا بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَنْ حَقَّقَ مِنْهُمْ وَمَنْ سَهَّلَ. فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِإِدْخَالِ الْأَلِفِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَصْلِهِ فِي بَابِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ، هَذَا مَعَ تَسْهِيلِهِ الثَّانِيَةَ، وَافَقَهُ وَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَلَى ذَلِكَ فِي الثَّانِي مِنَ الْقَصَصِ وَفِي السَّجْدَةِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ. وَانْفَرَدَ النَّهْرَوَانِيُّ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْهُ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الْعَطَّارِ بِالْفَصْلِ فِي الْأَنْبِيَاءِ، فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْهُ، وَانْفَرَدَ أَيْضًا ابْنُ مِهْرَانَ، عَنْ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْهُ، فَلَمْ يُدْخِلْ أَلِفًا بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ بِمَوْضِعٍ، فَخَالَفَ فِيهِ سَائِرَ الْمُؤَلِّفِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتُلِفَ عَنْ هِشَامٍ، فَرَوَى عَنْهُ الْمَدَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ وَغَيْرِهِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ أَبُو الْعِزِّ، وَقَطَعَ بِهِ لِلْحَلْوَانِيِّ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَابْنِ سَوَّارٍ، وَابْنِ شَيْطَا وَابْنِ فَارِسٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَطَعَ بِهِ لِهِشَامٍ مَنْ طُرُقِهِ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَفِي التَّيْسِيرِ قِرَاءَتُهُ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ- يَعْنِي عَنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ- وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ فَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِ إِلَّا بِالْقَصْرِ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا وَقَعَ لَهُ فِيهِ خَلْطُ طَرِيقٍ بِطَرِيقٍ، وَفِي التَّجْرِيدِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ الْجَمَّالِ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، وَفِي الْمُبْهِجِ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْبَابِ، فَيَكُونُ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّذَائِيِّ، عَنِ الْحُلْوَانِيِّ وَالدَّاجُونِيِّ وَغَيْرِهِمَا. وَرَوَى الْقَصْرَ ابْنُ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَابْنُ شُرَيْحٍ وَابْنَا غَلْبُونَ، وَمَكِّيٌّ، وَصَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَجُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ، وَعَلَى أَبِي الْفَتْحِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبْدَانَ، وَفِي التَّجْرِيدِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْجَمَّالِ، وَهُوَ فِي الْمُبْهِجِ مِنْ طُرُقِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو جَعْفَرٍ بِإِدْخَالِ الْأَلِفِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُسَهَّلَةِ فِي أَئِمَّةً بَلْ وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو. فَنَافِعٌ، عَنْ رِوَايَةِ الْمُسَيَّبِيِّ وَإِسْمَاعِيلَ جَمِيعًا عَنْهُ، وَأَبُو عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدَانَ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، فَكُلُّ مَنْ فَصَلَ بِالْأَلِفِ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِنَّمَا يَفْصِلُ بِهَا فِي حَالِ تَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ، وَلَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بِهَا فِي حَالِ إِبْدَالِهَا الْيَاءَ الْمَحْضَةَ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ إِنَّمَا سَاغَ تَشْبِيهًا لَهَا بـِ أَيِنَّا، أَيِذَا وَسَائِرِ الْبَابِ، وَذَلِكَ الشَّبَهُ، إِنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ التَّحْقِيقِ أَوِ التَّسْهِيلِ بَيْنَ بَيْنَ، أَمَّا حَالَةُ الْإِبْدَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْتَنِعُ أَصْلًا وَقِيَاسًا، وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ نَصٌّ عَمَّنْ يُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ. قَالَ الدَّانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ يُسَهِّلُهَا بَيْنَ بَيْنَ: وَلَا تَكُونُ يَاءً مَحْضَةَ الْكَسْرَةِ فِي مَذْهَبِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْفَصْلَ بِالْأَلِفِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِي نِيَّةِ هَمْزَةٍ مُحَقَّقَةٍ بِذَلِكَ. قَالَ: وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ إِبْدَالُهَا يَاءً مَحْضَةَ الْكَسْرَةِ فِي مَذْهَبِ مَنْ لَمْ يَرَ التَّحْقِيقَ وَلَا الْفَصْلَ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ النَّحْوِيِّينَ الْبَصْرِيِّينَ. قَالَ: فَأَمَّا مَنْ يَرَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ بَيْنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. انْتَهَى. وَأَمَّا الْهَمْزَةُ السَّاكِنَةُ بَعْدَ الْمُتَحَرِّكَةِ لِغَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّ الْأُولَى مِنْهُمَا- أَعْنِي الْمُتَحَرِّكَةَ- تَكُونُ مَفْتُوحَةً وَمَضْمُومَةً وَمَكْسُورَةً نَحْوُ {آسَى} وَ{آتِي} وَ{آمَنَ} وَ{آدَمَ} وَ{آزَرَ}، وَ{أُوتِيَ}، وَ{أُوتِيتُمْ}، وَ{أُوذُوا}، وَ{اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}، وَإِيمَانٌ، وَ{إِيلَافِ}، وَ{إِيتِ بِقُرْآنٍ} فَإِنَّ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا تُبْدَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَرْفَ مَدٍّ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا، فَتُبْدَلُ أَلِفًا بَعْدَ الْمَفْتُوحَةِ، وَوَاوًا بَعْدَ الْمَضْمُومَةِ، وَيَاءً بَعْدَ الْمَكْسُورَةِ، إِبْدَالًا لَازِمًا وَاجِبًا لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ، لَيْسَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَتَأْتِي عَلَى ضَرْبَانِ: مُتَّفِقَتَيْنِ وَمُخْتَلِفَتَيْنِ الهمزتين المجتمعتين من كلمتين.
فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ الْمُتَّفِقَتَانِ. وَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مُتَّفِقَتَانِ بِالْكَسْرِ، وَمُتَّفِقَتَانِ بِالْفَتْحِ، وَمُتَّفِقَتَانِ بِالضَّمِّ. أَمَّا الْمُتَّفِقَتَانِ كَسْرًا فَعَلَى قِسْمَيْنِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمُخْتَلَفٌ عَلَيْهِ. فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَفْظًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا. فِي الْبَقَرَةِ {هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ} وَفِي النِّسَاءِ مِنَ النِّسَا إِلَّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي هُودٍ {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ} وَفِي يُوسُفَ بِالسُّو إِلَّا وَفِي الْإِسْرَاءِ وَص: هَؤُلَا إِلَّا وَفِي النُّورِ عَلَى الْبِغَا إِنْ وَفِي الشُّعَرَاءِ مِنَ السَّمَا إِنْ كُنْتَ وَفِي السَّجْدَةِ مِنَ السَّمَا إِلَى وَفِي الْأَحْزَابِ مِنَ النِّسَا إِنِ اتَّقَيْتُنَّ وَفِيهَا: وَلَا أَبْنَا إِخْوَانِهِنَّ وَفِي سَبَأٍ مِنَ السَّمَا إِنْ وَفِيهَا هَؤُلَا إِيَّاكُمْ وَفِي الزُّخْرُفِ فِي السَّمَا إِلَهٌ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ، وَبُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ، وَمِنَ الشُّهْدَا أَنْ تَضِلَّ فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ، وَأَمَّا الْمُتَّفِقَتَانِ فَتْحًا، فَفِي سِتَّةَ عَشَرَ لَفْظًا فِي تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا فِي النِّسَاءِ السُّفَهَا أَمْوَالَكُمْ وَفِيهَا وَفِي الْمَائِدَةِ جَا أَحَدٌ مِنْكُمْ وَفِي الْأَنْعَامِ جَا أَحَدَكُمْ وَفِي الْأَعْرَافِ تِلْقَا أَصْحَابِ النَّارِ وَفِيهَا وَفِي يُونُسَ وَهُودٍ وَالنَّحْلِ وَفَاطِرٍ جَا أَجَلُهُمْ وَفِي هُودٍ خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَمَوْضِعَيِ الْمُؤْمِنِينَ جَا أَمْرُنَا وَفِي الْحِجْرِ وَجَا أَهْلُ وَفِيهَا وَفِي الْقَمَرِ جَا آلَ وَفِي الْحَجِّ السَّمَا أَنْ تَقَعَ وَفِي الْمُؤْمِنِينَ جَا أَحَدَهُمْ وَفِي الْفُرْقَانِ شَا أَنْ يَتَّخِذَ وَفِي الْأَحْزَابِ شَا أَوْ يَتُوبَ وَفِي غَافِرٍ وَالْحَدِيدِ جَا أَمْرُ اللَّهِ وَفِي الْقِتَالِ جَا أَشْرَاطُهَا وَفِي الْمُنَافِقِينَ جَا أَجَلُهَا وَفِي عَبَسَ شَا أَنْشَرَهُ، وَأَمَّا الْمُتَّفِقَتَانِ ضَمًّا فَمَوْضِعٌ وَاحِدٌ أَوْلِيَا أُولَئِكَ فِي الْأَحْقَافِ، فَاخْتَلَفُوا فِي إِسْقَاطِ إِحْدَى الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَتَخْفِيفِهَا وَتَحْقِيقِهَا. فَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِإِسْقَاطِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ شَنَبُوذَ، عَنْ قُنْبُلٍ مِنْ أَكْثَرِ طُرُقِهِ، وَأَبُو الطَّيِّبِ، عَنْ رُوَيْسٍ، وَانْفَرَدَ بِذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ الشَّنَبُوذِيُّ، عَنِ النَّقَّاشِ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْهُ، فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ، وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةُ السَّامَرِّيِّ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَوَّارٍ، لِذَلِكَ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَفْتُوحَتَيْنِ خَاصَّةً قَالُونُ، وَالْبَزِّيُّ، وَسَهَّلَا الْأُولَى مِنَ الْمَكْسُورَتَيْنِ، وَمِنَ الْمَضْمُومَتَيْنِ بَيْنَ بَيْنَ مَعَ تَحْقِيقِ الثَّانِيَةِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا فِي {بِالسُّوءِ إِلَّا}، وَ{لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ}، وَ{بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا} أَمَّا {بِالسُّوءِ إِلَّا} فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ الْأُولَى مِنْهُمَا وَاوًا وَأَدْغَمَ الْوَاوَ الَّتِي قَبْلَهَا فِيهَا الْجُمْهُورُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنْ قَالُونَ وَالْبَزِّيِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ رِوَايَةً مَعَ صِحَّتِهِ فِي الْقِيَاسِ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي مُفْرَدَاتِهِ: هَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ فِي التَّسْهِيلِ غَيْرُهُ. قُلْتُ: وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا كَانَتِ الْوَاوُ زَائِدَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ وَقْفِ حَمْزَةَ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ فِي تَسْهِيلِ هَذِهِ الْهَمْزَةِ هُوَ النَّقْلُ؛ لِوُقُوعِ الْوَاوِ قَبْلَهَا أَصْلِيَّةً عَيْنَ الْفِعْلِ، كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ مَكِّيٌّ فِي التَّبْصِرَةِ : وَالْأَحْسَنُ الْجَارِي عَلَى الْأُصُولِ إِلْغَاءُ الْحَرَكَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ- يَعْنِي عَنْ قَالُونَ. قُلْتُ: قَدْ قَرَأْتُ بِهِ عَنْهُ، وَعَنِ الْبَزِّيِّ مِنْ طَرِيقِ الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَ قُوَّتِهِ قِيَاسًا ضَعِيفٌ رِوَايَةً، وَذَكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ، وَقَرَأْنَا بِهِ عَلَى أَصْحَابِهِ عَنْهُ، وَسَهَّلَ الْهَمْزَةَ الْأُولَى مِنْهُمَا بَيْنَ بَيْنَ؛ طَرْدًا لِلْبَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَذَكَرَهُ مَكِّيٌّ أَيْضًا، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ عَنْهُمَا. وَذَكَرَ عَنْهُمَا كُلًّا مِنَ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ بَلِّيمَةَ، وَأَمَّا لِلنَّبِيءِ، وَالنَّبِيءُ فَظَاهِرُ عِبَارَةِ أَبِي الْعِزِّ فِي كِفَايَتِهِ أَنْ تُجْعَلَ الْهَمْزَةُ فِيهِمَا بَيْنَ بَيْنَ فِي مَذْهَبِ قَالُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْيَاءِ سَاكِنَةً قَبْلَهَا، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَلِفًا لَمَا امْتَنَعَ جَعْلُهَا بَيْنَ بَيْنَ بَعْدَهَا لُغَةً. قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، وَالصَّحِيحُ قِيَاسًا وَرِوَايَةً مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَئِمَّةِ قَاطِبَةً، وَهُوَ الْإِدْغَامُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا نَأْخُذُ بِغَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ انْفَرَدَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ عَنِ الْفَرْضِيِّ، عَنِ ابْنِ بُويَانَ، عَنْ قَالُونَ بِإِسْقَاطِ الْأُولَى مِنَ الْمَضْمُومَتَيْنِ كَمَا يُسْقِطُهَا فِي الْمَفْتُوحَتَيْنِ، وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ بُويَانَ بِإِسْقَاطِ الْأُولَى مِنَ الْمُتَّفِقَتَيْنِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَانْفَرَدَ الدَّانِيُّ، عَنْ أَبِي الْفَتْحِ، مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، عَنْ قَالُونَ بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ مِنِ الْمَضْمُومَتَيْنِ وَالْمَكْسُورَتَيْنِ وَبِذَلِكَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ وَرْشٍ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتُلِفَ، عَنْ قُنْبُلٍ وَالْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، أَمَّا قُنْبُلٌ فَرَوَى عَنْهُ الْجُمْهُورُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ جَعْلَ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ فِيهَا بَيْنَ بَيْنَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَا صَاحِبُ التَّيْسِيرِ فِي تَسْهِيلِهَا غَيْرَهُ. وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَوَّارٍ عَنْهُ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَنَبُوذَ. وَرَوَى عَنْهُ عَامَّةُ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ، وَإِبْدَالُهَا حَرْفَ مَدٍّ خَالِصٍ فَتُبْدَلُ فِي حَالَةِ الْكَسْرِ يَاءً خَالِصَةً سَاكِنَةً، وَحَالَةِ الْفَتْحِ أَلِفًا خَالِصَةً، وَحَالَةِ الضَّمِّ وَاوًا خَالِصَةً سَاكِنَةً، وَهُوَ الَّذِي قُطِعَ بِهِ فِي الْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ شَنَبُوذَ إِسْقَاطَ الْأُولَى فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَوَّارٍ: قَالَ: شَيْخُنَا أَبُو تَغْلِبَ: قَالَ ابْنُ شَنَبُوذَ: إِذَا لَمْ تُحَقَّقِ الْهَمْزَتَيْنِ فَاقْرَأْ كَيْفَ شِئْتَ. قَالَ ابْنُ سَوَّارٍ: فَيَصِيرُ لَهُ- يَعْنِي لِابْنِ شَنَبُوذَ- ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ، أَحَدُهَا: كَأَبِي عَمْرٍو وَمُوَافِقِيهِ، وَالثَّانِي: كَالْبَزِّيِّ وَمُوَافِقِيهِ، وَالثَّالِثُ: كَأَبِي جَعْفَرٍ وَمُوَافِقِيهِ. قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الدَّانِيُّ أَنَّ ابْنَ مُجَاهِدٍ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ عَنْ قُنْبُلٍ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَقْرَأْ بِهِ، وَلَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ يَأْخُذُ فِي مَذْهَبِهِ. انْتَهَى. وَأَمَّا الْأَزْرَقُ فَرَوَى عَنْهُ إِبْدَالَ الْهَمْزَةِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ حُرُوفَ مَدٍّ كَوَجْهِ قُنْبُلٍ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْمِصْرِيِّينَ، وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِنَ الْمَغَارِبَةِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَابْنِ سُفْيَانَ، وَالْمَهْدَوِيِّ، وَابْنِ الْفَحَّامِ الصَّقَلِّيِّ، وَكَذَا فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْكَافِي، وَقَالَا: إِنَّهُ الْأَحْسَنُ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الدَّانِيُّ فِي التَّيْسِيرِ، وَذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ الَّذِي رَوَاهُ الْمِصْرِيُّونَ عَنْهُ أَدَاءً. ثُمَّ قَالَ: وَالْبَدَلُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَرَوَى عَنْهُ تَسْهِيلَهَا بَيْنَ بَيْنَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، كَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ بَلِّيمَةَ وَأَبِي الطَّاهِرِ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّيْسِيرِ غَيْرَهُ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ، وَابْنُ شُرَيْحٍ وَالشَّاطِبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا عَنْهُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَهُمَا {هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ}، وَالْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ فَرَوَى عَنْهُ كَثِيرٌ مِنَ رُوَاةِ التَّسْهِيلِ جَعْلَ الثَّانِيَةِ فِيهَا يَاءً مَكْسُورَةً، وَذَكَرَ فِي التَّيْسِيرِ أَنَّهُ قَرَأَ بِهِ عَلَى ابْنِ خَاقَانَ، عَنْهُ، وَإِنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ فِي الْأَدَاءِ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ : إِنَّ الْخَاقَانِيَّ، وَأَبَا الْفَتْحِ وَأَبَا الْحَسَنِ اسْتَثْنَوْهَا، فَجَعَلُوا الثَّانِيَةَ مِنْهُمَا يَاءً مَكْسُورَةً مَحْضَةَ الْكَسْرَةِ، قَالَ: وَبِذَلِكَ كَانَ يَأْخُذُ فِيهِمَا أَبُو جَعْفَرِ بْنُ هِلَالٍ وَأَبُو غَانِمِ بْنُ حَمْدَانَ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ أُسَامَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ النَّخَّاسُ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ أَدَاءً، قَالَ: وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ سَيْفٍ عَنْهُ إِجْرَاءَهُمَا كَسَائِرِ نَظَائِرِهِمَا، وَقَدْ قَرَأْتُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَبِي الْفَتْحِ وَأَبِي الْحَسَنِ، وَأَكْثَرُ مَشْيَخَةِ الْمِصْرِيِّينَ عَلَى الْأَوَّلِ. قُلْتُ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ بِالْوَجْهَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَبِي الْفَتْحِ وَأَبِي الْحَسَنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِغَيْرِ إِبْدَالِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ عَلَى ابْنِ خَاقَانَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِمَا الْوَجْهَيْنِ- أَعْنِي التَّسْهِيلَ وَالْيَاءَ الْمَكْسُورَةَ- أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ فِي تَلْخِيصِهِ، وَابْنُ غَلْبُونَ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَالَ: إِنَّ الْأَشْهَرَ التَّسْهِيلُ، عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ جَامِعِ الْبَيَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُشْكِلَةٌ، وَانْفَرَدَ خَلَفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَاقَانَ الْخَاقَانِيُّ فِيمَا رَوَاهُ الدَّانِيُّ عَنْهُ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْأَزْرَقِ بِجَعْلِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْمَضْمُومَتَيْنِ وَاوًا مَضْمُومَةً خَفِيفَةَ الضَّمَّةِ، قَالَ الدَّانِيُّ: كَجَعْلِهِ إِيَّاهَا يَاءً خَفِيفَةَ الْكَسْرَةِ فِي {هَؤُلَاءِ إِنْ}، وَ{الْبِغَاءِ إِنْ} قَالَ: وَرَأَيْتُ أَبَا غَانِمٍ وَأَصْحَابَهُ قَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ عَنْ وَرْشٍ، وَتَرْجَمُوا عَنْهُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ، ثُمَّ حَكَى مِثَالَ ذَلِكَ عَنِ النَّخَّاسِ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ وَرْشٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلَّذِي رَوَاهُ لِي خَلَفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَصْحَابِهِ، وَأَقْرَأَنِي بِهِ عَنْهُمْ، قَالَ: وَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسِ التَّلْيِينِ. قُلْتُ: وَالْعَمَلُ عَلَى غَيْرِ هَذَا عِنْدَ سَائِرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّيْسِيرِ مَعَ إِسْنَادِهِ رِوَايَةَ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ خَاقَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَانْفَرَدَ بِذَلِكَ فِي الْمَضْمُومَتَيْنِ وَسَائِرِ الْمَكْسُورَتَيْنِ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي الْمُبْهِجِ عَنِ الشَّذَائِيِّ، عَنِ ابْنِ بُويَانَ فِي رِوَايَةِ قَالُونَ، وَتَرْجَمَ عَنْ ذَلِكَ بِكَسْرَةٍ خَفِيفَةٍ وَبِضَمَّةٍ خَفِيفَةٍ، وَلَوْ لَمْ يُغَايِرْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْهِيلِ بَيْنَ بَيْنَ لِقِيلَ: إِنَّهُ يُرِيدُ التَّسْهِيلَ. وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى عَنْهُ الْبَدَلَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ، وَهُمُ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَرَوْحٌ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ جَمِيعًا فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ، عَنْ رَوْحٍ بِتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا كَأَبِي جَعْفَرٍ وَمُوَافِقِيهِ، وَكَذَلِكَ انْفَرَدَ عَنْهُ ابْنُ أَشْتَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَوَّارٍ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَفْتُوحَيْنِ وَهُوَ {شَاءَ أَنْشَرَهُ}، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَقَعَ مِنْهُمَا فِي الْقُرْآنِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ الهمزتان وَكَانَتِ الْقِسْمَةُ تَقْتَضِي سِتَّةً: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَفْتُوحَةٌ وَمَضْمُومَةٌ، وَهُوَ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ {جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا} فِي الْمُؤْمِنِينَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَفْتُوحَةٌ وَمَكْسُورَةٌ، وَوَرَدَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ شُهَدَاءَ إِذْ فِي الْبَقَرَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى فِي مَوْضِعَيِ الْمَائِدَةِ، وَفِيهَا: عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ، وَأَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا فِي التَّوْبَةِ، وَفِيهَا إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ، وَشُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ فِي يُونُسَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ فِي يُوسُفَ، وَفِيهَا {وَجَاءَ إِخْوَةُ} وَأَوْلِيَاءَ إِنَّا فِي الْكَهْفِ. وَالدُّعَاءَ إِذَا مَا فِي الْأَنْبِيَاءِ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ فِي الشُّعَرَاءِ، وَالدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا بِالنَّمْلِ وَالرُّومِ وَالْمَاءَ إِلَى فِي السَّجْدَةِ، وَحَتَّى تَفِيءَ إِلَى فِي الْحُجُرَاتِ. وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مَوْضِعَانِ، وَهُمَا زَكَرِيَّاءَ إِذْ فِي مَرْيَمَ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ حَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ، وَخَلَفٍ، وَحَفْصٍ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَضْمُومَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ، وَوَقَعَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفًا فِيهِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ السُّفَهَاءُ أَلَا فِي الْبَقَرَةِ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ فِي الْأَعْرَافِ وَفِيهَا تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا، وَسُوءُ أَعْمَالِهِمْ فِي التَّوْبَةِ، وَيَا سَمَاءُ أَقِلِعِي فِي هُودٍ، وَالْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي مَوْضِعَيْ يُوسُفَ وَالنَّمْلِ، وَيَشَاءُ أَلَمْ تَرَ فِي إِبْرَاهِيمَ، الْمَلَأَ أَيُّكُمْ فِي النَّمْلِ، وَجَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ فِي فُصِّلَتْ، وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا فِي الِامْتِحَانِ. وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مَوْضِعَانِ، وَهُمَا النَّبِيءُ أَوْلَى، وَإِنْ أَرَادَ النَّبِيءُ أَنْ فِي الْأَحْزَابِ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ مَكْسُورَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ: {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ} فِي الْبَقَرَةِ، وَهَؤُلَاءِ أَهْدَى فِي النِّسَاءِ، وَ{لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ} فِي الْأَعْرَافِ وَ{هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا}، وَ{مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا} كِلَاهُمَا فِيهَا أَيْضًا، وَ{مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا} فِي الْأَنْفَالِ، وَمِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ فِي مَوْضِعَيْ يُوسُفَ، وَهَؤُلَاءِ آلِهَةً فِي الْأَنْبِيَاءِ، وَهَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ فِي الْفُرْقَانِ، وَمَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ فِيهَا، وَمِنَ السَّمَاءِ آيَةً فِي الشُّعَرَاءِ، وَ{أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ} فِي الْأَحْزَابِ، وَفِي السَّمَاءِ أَنْ فِي مَوْضِعَيِ الْمُلْكِ. وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ فِي غَيْرِ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَكْسُورَتَيْنِ.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ مَضْمُومَةٌ وَمَكْسُورَةٌ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مَوْضِعًا، وَهُوَ يَشَاءُ إِلَى فِي مَوْضِعَيِ الْبَقَرَةِ، وَيُونُسَ، وَالْحَجِّ، وَالنُّورِ، وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا فِي الْبَقَرَةِ أَيْضًا، وَمَا يَشَاءُ إِذَا فِي آلِ عِمْرَانَ يَشَاءُ إِنَّ فِيهَا، وَفِي النُّورِ، وَفَاطِرٍ، وَمَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي الْأَنْعَامِ، وَالسُّوءُ إِنْ فِي الْأَعْرَافِ، وَتَشَاءُ إِنَّكَ فِي هُودٍ، وَيَشَاءُ إِنَّهُ فِي يُوسُفَ وَمَوْضِعَيِ الشُّورَى، وَمَا يَشَاءُ إِلَى فِي الْحَجِّ، وَشُهَدَاءُ إِلَّا فِي النُّورِ، وَيَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي فِي النَّمْلِ، وَالْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ فِي فَاطِرٍ، وَالْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ فِيهَا وَالسَّيِّئُ إِلَّا فِيهَا أَيْضًا، وَيَشَاءُ إِنَاثًا فِي الشُّورَى. وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ سِتَّةُ مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا يَا ذَكَرِيَّاءُ إِنَّا فِي مَرْيَمَ فِي غَيْرِ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ، وَالْكِسَائِيِّ، وَخَلَفٍ، وَحَفْصٍ، وَبَاقِيهَا يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ، وَيَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِنَّا أَحْلَلْنَا فِي الْأَحْزَابِ، وَيَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِذَا جَاءَكَ فِي الِامْتِحَانِ، وَيَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِذَا فِي الطَّلَاقِ، وَالنَّبِيءُ إِلَى فِي التَّحْرِيمِ، وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ.
قِسْمٌ سَادِسٌ وَهُوَ كَوْنُ الْأُولَى مَكْسُورَةً وَالثَّانِيَةِ مَضْمُومَةً، عَكْسُ الْخَامِسِ، لَمْ يَرِدْ لَفْظُهُ فِي الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ مَعْنَاهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَصَصِ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً وَالْمَعْنَى: وَجَدَ عَلَى الْمَاءِ أُمَّةً، فَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَرُوَيْسٌ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ الْأُولَى وَتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ، وَتَسْهِيلُهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تُجْعَلَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بَيْنَ بَيْنَ، وَتُبْدَلَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَاوًا مَحْضَةً، وَفِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ يَاءً كَذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي كَيْفِيَّةِ تَسْهِيلِ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا تُبْدَلُ وَاوًا خَالِصَةً مَكْسُورَةً، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْقُرَّاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ قَدِيمًا، وَهُوَ الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ، وَالْكِفَايَةِ لِأَبِي الْعِزِّ، قَالَ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَدَاءِ، قَالَ: وَكَذَا حَكَى أَبُو طَاهِرِ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَكَذَا حَكَى أَبُو بَكْرٍ الشَّذَائِيُّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى غَيْرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَبِذَلِكَ قَرَأْتُ أَنَا عَلَى أَكْثَرِ شُيُوخِي، وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: وَبِذَلِكَ قَرَأْتُ عَلَى عَامَّةِ شُيُوخِي الْفَارِسِيِّ، وَالْخَاقَانِيِّ، وَابْنِ غَلْبُونَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا تُجْعَلُ بَيْنَ بَيْنَ، أَيِ الْهَمْزَةُ وَالْيَاءُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَئِمَّةِ النَّحْوِ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْقُرَّاءِ حَدِيثًا، وَحَكَاهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ نَصًّا عَنِ الْيَزِيدِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَرَوَاهُ الشَّذَائِيُّ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ عَنْ شُيُوخِهِ، وَقَالَ الدَّانِيُّ: إِنَّهُ الْأَوْجَهُ فِي الْقِيَاسِ، وَإِنَّ الْأَوَّلَ آثَرُ فِي النَّقْلِ. قُلْتُ: وَبِالتَّسْهِيلِ قَطَعَ مَكِّيٌّ، وَالْمَهْدَوِيُّ، وَابْنُ سُفْيَانَ، وَصَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَأَكْثَرُ مُؤَلِّفِي الْكُتُبِ، كَصَاحِبِ الرَّوْضَةِ وَالْمُبْهِجِ، وَالْغَايَتَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَنَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ فِي آخِرِ فَاطِرٍ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَأَ بِالتَّسْهِيلِ عَلَى الْفَارِسِيِّ وَعَبْدِ الْبَاقِي. وَقَدْ أَبْعَدَ وَأَغْرَبَ ابْنُ شُرَيْحٍ فِي كَافِيهِ، حَيْثُ حَكَى تَسْهِيلَهَا كَالْوَاوِ، وَلَمْ يُصِبْ مَنْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ نَقْلًا وَإِمْكَانِهِ لَفْظًا، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ تَحْوِيلِ كَسْرِ الْهَمْزَةِ ضَمَّةً، أَوْ تَكَلُّفِ إِشْمَامِهَا الضَّمَّ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَهُمُ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ، وَرَوْحٌ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ جَمِيعًا فِي الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ، وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ، عَنْ رَوْحٍ بِالتَّسْهِيلِ مِثْلَ رُوَيْسٍ وَالْجَمَاعَةِ.
تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ اخْتَلَفَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَدَاءِ فِي تَعْيِينِ إِحْدَى الْهَمْزَتَيْنِ الَّتِي أَسْقَطَهَا أَبُو عَمْرٍو وَمَنْ وَافَقَهُ، فَذَهَبَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ غَلْبُونَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْحَمَّامِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو الْعِزِّ إِلَى أَنَّ السَّاقِطَةَ هِيَ الثَّانِيَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ النُّحَاةِ، وَذَهَبَ سَائِرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ إِلَى أَنَّهَا الْأُولَى. وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمِثْلَيْنِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ فِي الْمَدِّ قَبْلُ. فَمَنْ قَالَ بِإِسْقَاطِ الْأُولَى كَانَ الْمَدُّ عِنْدَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُنْفَصِلِ، وَمَنْ قَالَ بِإِسْقَاطِ الثَّانِيَةِ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّصِلِ.
وَالثَّانِي إِذَا أُبْدِلَتِ الثَّانِيَةُ مِنَ الْمُتَّفِقَتَيْنِ حَرْفَ مَدٍّ فِي مَذْهَبِ مَنْ رَوَاهُ عَنِ الْأَزْرَقِ وَقُنْبُلٍ وَقَعَ بَعْدَهُ سَاكِنٌ- زِيدَ فِي مَدِّ حَرْفِ الْمَدِّ الْمُبْدَلِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَاكِنٌ لَمْ يَزِدْ عَلَى مِقْدَارِ حَرْفِ الْمَدِّ السَّاكِنِ نَحْوُ {هَؤُلَا إِنْ كُنْتُمْ}، جَا أَمْرُنَا وَغَيْرُ السَّاكِنِ نَحْوُ {فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ}، {جَاءَ أَحَدَهُمْ}، {أَوْلِيَاءَ أُولَئِكَ}، وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ.
الثَّالِثُ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مِنَ الْمَفْتُوحَتَيْنِ أَلِفٌ فِي مَذْهَبِ الْمُبْدِلِينَ أَيْضًا، وَذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ {جَاءَ آلَ لُوطٍ}، وَ{جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ} فَهَلْ تُبْدَلُ الثَّانِيَةُ فِيهِمَا كَسَائِرِ الْبَابِ أَمْ تُسَهَّلُ مِنْ أَجْلِ الْأَلِفِ بَعْدَهَا؟ قَالَ الدَّانِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُبْدِلُهَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ بَعْدَهَا أَلِفًا فَيَجْتَمِعُ أَلِفَانِ وَاجْتِمَاعُهُمَا مُتَعَذِّرٌ، فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ بَيْنَ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّ هَمْزَةَ بَيْنَ بَيْنَ فِي رُتْبَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُبْدِلُهَا فِيهِمَا كَسَائِرِ الْبَابِ، ثُمَّ فِيهَا بَعْدَ الْبَدَلِ وَجْهَانِ: أَنْ تُحْذَفَ لِلسَّاكِنَيْنِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا تُحْذَفَ وَيُزَادَ فِي الْمَدِّ، فَتَفْصِلُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، وَتَمْنَعُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا. انْتَهَى. وَهُوَ جَيِّدٌ، وَقَدْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْحَذْفِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَدِّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَوَى الْمَدَّ عَنِ الْأَزْرَقِ لِوُقُوعِ حَرْفِ الْمَدِّ بَعْدَ هَمْزٍ ثَابِتٍ، فَحَكَى فِيهِ الْمَدَّ وَالتَّوَسُّطَ وَالْقَصْرَ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ إِنَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي تَخْفِيفِ إِحْدَى الْهَمْزَتَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ، إِنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ، فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى الْكَلِمَةِ الْأُولَى أَوْ بَدَأْتَ بِالثَّانِيَةِ حَقَّقْتَ الْهَمْزَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ، إِلَّا مَا يَأْتِي فِي وَقْفِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ فِي بَابِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
|